ilboursa.com

افضت جلسة التفاوض الثلاث بين وفد حكومة نجلاء بودن ووفد الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص إقرار برنامج زيادة عامة في أجور موظفي القطاع العام في البلاد الى فشل ذريع بما يُنبئ باشتعال ازمة جديدة بين الطرفين في وقت تعرف فيه تونس ازمة اقتصادية ومالية واجتماعية خانقة واهتراء لافت للقدرة الشرائية للتونسيين.

وأجرى الوفدان سلسلة من جلسات التفاوض في الأسبوع الأخير حول جملة من المطالب التي يرغب اتحاد الشغل تنزيلها على ارض الواقع وفي مقدمتها تحسين أجور الموظفين والعاملين في القطاع العام والشركات الحكومية في ظل تنامي نسبة التضخم الاخذة في الصعود من شهر لآخر لتصل الى مستوى قياسي في شهر جويلية من هذه السنة الى 8.2 في المئة وأنها مرشحة الى مزيد الصعود في شعر اوت المنقضي.

ويعتبر الملاحظون والمتابعون للشأن الاقتصادي في تونس أن التزام حكومة نجلاء بودن مع صندوق النقد الدولي بتطويق كتلة الأجور في القطاع في تونس التي تعد من ارفع الكتل في العالم بالمقارنة مع الناتج الداخلي الخام (حوالي 15 في المائة حاليا) حال دون بلوغ اتفاق مع المنظمة النقابية القوية.

ويرجح المتابعون ان تتعكر الوضعية أكثر بين الطرفين في الأشهر القادمة لا سيما وان اتحاد الشغل قد سبق وان هدد بتنفيذ اضراب عام في تونس يشمل الموظفين في الوزارات وفي الشركات العمومية كشكل من اشكال رفض سياسة الحكومة عدم تحسين المقدرة الشرائية للموظفين.

ووفق اخر تحيين يبلغ عدد موظفي الوزارات في تونس أكثر من 661 ألف موظف وتبلغ كتلة الأجور 20.3 مليار دينار أي ما يعادل 40 في المئة من قيمة موازنة البلاد.

الاتحاد تنازل والحكومة ترفض

واكد صلاح الدين السالمي الأمين العام المساعد بالمركزية النقابية ان الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، فشلا في التوصل الى اتفاق بسبب تباين وجهات النظر حول نسبة الزيادة في أجور القطاع العام والوظيفة العمومية وموعد صرفها. وكشف ان المشاورات توقفت بسبب عدم احراز تقدم في نقطة الزيادة في الاجور، مشيرا الى أن الحكومة لم ترفض مبدأ الزيادة، لكن تباينت وجهات النظر حول نسبتها ومفعول صرفها.

وبين ان تنازل الاتحاد عن زيادات سنة 2020 تقديرا منه لتداعيات الوضع بسبب تداعيات جائحة كورونا وكذلك الشأن بالنسبة لسنة 2021 مقترحا احتساب الزيادة بداية من يناير 2022 على ان تغطي عامي 2022 و2023"، غير أن الوفد الحكومي وفق المتحدث رأى ان نسبة الزيادة غير معقولة على ان يتم صرفها لسنوات 2023 و2024 2025، وهو ما جابهه وفد الاتحاد بالرفض.

واعتبر السالمي ان الحكومة ترغب في ترحيل التفاوض على الزيادة في الاجور لتكون متطابقة مع برنامج الاصلاحات الكبرى التي قدّمته الى صندوق النقد الدولي والذي ينص على التحكم في كتلة الاجور.

صندوق النقد الدولي يراقب

وعلَق رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية عن فشل التفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل بخصوص الزيادة في أجور الموظفين بأن الحكومة ترغب ضمنيا في إرضاء صندوق النقد الدولي المتمسك بالتقليص من كتلة الأجور مع التقليص عدد الموظفين المرتفع عبر اقار جملة من البرامج والآليات (التسريح او التقاعد الاختياري والمساعدة على بعث مشاريع...)

وأكد أن حكومة بودن سبق لها وأن أعلنت عن برنامجها الإصلاحي في شهر ماي 2022 الذي تفاوضت بشأنه مع صندوق النقد الدولي ويتضمن جملة من الإصلاحات التي رفضها اتحاد الشغل واعتبرها انها لا شعبية وسوف تساهم في مزيد اهتراء القدرة الشرائية للتونسيين والترفيع غفي عدد الفقراء إثر رفع اليد عن الدعم في المحروقات والكهرباء.

وأضاف المتحدث أن صندوق النقد الدولي سيظل يراقب التطورات في تونس وخاصة التزام الحكومة بتطبيق التزاماتها في ظل حاجة تونس الى الحصول على قرض مالي جديد بقيمة 4 مليار دولار وخاصة الحصول على الضوء الأخضر للحصول على الموارد المالية الضرورية لتمويل ما تبقى من موازنتي العام الحالي والعام المقبل.

وشدد الشكندالي على ان التوقيت لا يخدم الحكومة خاصة والبلاد عموما لا سيما وأن هامش التحرك اضحى صعب وان تنس بحاجة الى الدعم المالي في ظل الصعوبات التي تعرفها على مستوى تعمق الميزان التجاري وخطر تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي علاوة على انها ستكون مطالبة في العام المقبل بتسديد أصول وفوائد قروض خارجية حل موعد سدادها.

رؤية إصلاحية مغايرة

قدَم عبد الرحمان اللاحقة أستاذ الاقتصاد والتصرف بالجامعة التونسية والمستشار الاقتصادي لدى العام التونسي للشغل رؤية المنظمة الشغيلة الإصلاحية لعدد من المجالات الاقتصادية في ردة فعل على برنامج الإصلاحات التي تستعد حكومة نجلاء بودن تنزيلها على ارض الواقع إثر عرضها على صندوق النقد الدولي.

واعتبر أن رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، الذي اقترحته الحكومة في برنامجها الاصلاحي الموجه الى صندوق النقد الدولي، سيتسبب في زيادة معدل الفقر في تونس بـ 4 نقاط مئوية وسقوط ما يزيد عن 450 ألف شخص في دائرة الفقر، اضافة الى مزيد تفقير الفئات التي ترزح تحت خط الفقر.

ويقترح في خطة اصلاح منظومة الدعم، الاسراع بوضع المعرف الاجتماعي (لاحقا سيتبعه تحويل مالي شهري للأسر المعنية) الذي لا يقتصر على العائلات الفقيرة فقط بل يشمل كل المواطنين التونسيين، مشيرا إلى أن مثل هذا التمشي سيمكن من التقليص من نفقات الدعم بنسبة تصل الى 50 في المئة دون المساس بالقدرة الشرائية للعائلات ولا سيما للأُجراء، والمتدهورة اساسا، حسب توصيفه.

اصلاح حقيقي للجباية

ولدى تطرقه الى ملف الضريبة أبرز عبد الرحمان اللاحقة أن الاصلاح الجبائي يجب أن يكون على رأس الاصلاحات التي على الحكومة الانطلاق في تنفيذها بصفة استعجالية ولا سيما في مقاومة التهرب الجبائي"، مقترحا مراجعة نسبة الاداء على الشركات واعفاء اصحاب الدخل السنوي الذين لا يتجاوز دخلهم 8000 دينار من الضريبة على الدخل عوض 5000 دينار.

وأوصى بمراجعة نسبة الآداء على أنشطة التجارة وفي المساحات التجارية الكبرى ومراجعة الحوافز الضريبية اذ أن 80 بالمائة غير فعَالة وفرض ضريبة على الثروة وضريبة أخرى على الأرباح العقارية والمالية من اجل تعبئة موارد إضافية للدولة تغنيها عن التداين المشط.

إجمالا فان اتحاد الشغل والى حد الان لم يخسر أية معركة اجتماعية خاضها ضد الحكومات المتعاقبة بعد 2011 الا ونال مطالبه.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 06/09/2022

الأكثر قراءة